top of page

خاطرة في اليوم العالمي للمرأة

Joud Mustafa

March

في اليوم العالمي للمرأة، كشعيرة من شعائر "الإنسانية،" يجب علينا، نحن ماكثي العالم الغربي، أن ننعى بؤس المرأة

العربية.

ولكن الحقيقة هي أن المرأة العربية، في طبعها، ثورية عنيدة.

فأن تولد عربيًا أمر في غاية العناد، ولكن أن تولدي امرأة عربية يعني أن يلين أمامك صلب العناد نفسه.


فأنتِ لستِ فقط في صراعٍ وجوديّ مع عالمٍ ظالمٍ يستبيح دماء شعبكِ، ويودّ لو يجعل من بلادكِ ريفييرا يستجمّ فيها فوق أضرحة أطفالكِ، ولكنكِ أيضًا في صراعٍ مع نفسكِ ومجتمعكِ؛ فأنباء اضطهادكِ تتصدر عناوين الصحف في الغرب، ناعتةً الرجل العربي بالرجعية وغير ذلك من صفاتٍ قبيحة؛ كل كي يزعزع جنودُ "الإنسانية" وجدانَ الرجل الغربي المتحضر، لعلّ وعسى أن يلبّي نداء التحضّر ويجلب لكِ الحرية المحتومة. وأنتِ، أنتِ يا أيتها المرأة العربية، مركز كلّ ذلك.


ولكن الحقيقة هي أن المرأة العربية، في طبعها، ثورية عنيدة.


كانت جدّتي منذ صغر سنها مناضلةً، استطاعت أن تربي جيلًا كاملًا في بيتٍ صغيرٍ لا يكاد يتسع لنفسه، لكنّها جعلت منه صرحًا عظيمًا واسعًا رحبًا بإقامتها فيه. كانت أُميّة حُرمت من التعليم، ولكن، على الرغم من ذلك، كانت تفوقنا جميعًا علمًا. فيا للعجب!


أما عمّاتي، فكنّ فلاحاتٍ في قريةٍ من قرى الأردن، ومثل جدّتي، كان مقطنهنّ متواضعَ الحال، لكنهنّ كنّ إمبراطوراتٍ في عالم الفلاحة، يحرثن الأرض، ويحلبن البقر، ويرعين الدجاج، ويأكلن من عمل أيديهنّ، بل إنّ القرية بأكملها كانت تأكل من عمل أيديهنّ.


ولا سيما أمي كذلك، قيادية حازمة، فكل كلمة تصدر منها في البيت أو خارجه بمثابة أمر نهائي لا محال منه. فإذا نطقت أمي، سكت القانون.


وعلى الرغم من أن هذه الصفات بدت سائدةً فينا بالوراثة، إلا أنني لا زلت امرأة في مطلع شبابي، أحاول بعسر أن أستمد ثوريتي من النساء اللواتي نشأت على أيديهن؛ فلا بد بالطبع أن يعكر صفو تلك المحاولات الكلام الفارغ الذي يُتطلب مني أن أصغي إليه يوميًا في محاضراتي الزنانة.


ففعلًا، إن ما تنشره الصحف في ذم الرجل العربي ورثاء المرأة العربية له روّاد في الغرب يتابعونه ويطّلعون عليه، وها أنا، التي كنت أعتقد أنني مركز هذا الحوار، أجلس في خلفية الصف، نائيةً نأي الكواكب عن الشمس عن المركز. فإيميليا (أو أدخل اسم أي فتاة أعجمية) أصبحت أكثر درايةً بمصلحة المرأة العربية، وها هي ذا منفعلة، يحتدّ صوتها وهي تستنكر فعلة الرجل العربي الشنيعة في حق امرأته. يا للهول! إنها لا تستطيع أن ترتدي ما تشاء من ماركات، ولا أن تدارك موضات لباس إيميليا ورفيقاتها! ولن نبرح من المحاضرة حتى تقنعنا إيميليا أن هذا هو كل ما في الأمر يا سيدي، ولا يوجد أي بعد آخر للوطن العربي تراه سوى ذلك.


وأنا في الخلف أخاف أن أئنّ أي أنين، حتى لا تهيج إيميليا وتدعو إلى التحرك العسكري الفضائي لإنقاذي من أيدي سجّاني! 


لكن أيا ليت صمتي لخطابها رادعًا، فهي لا يعنيها حقًا كل ما يمسني من سوء، فيشغلها السوء طالما يطولني من على يد الرجل العربي وليس الغربي، وذلك لأن مذهبها الفكري ليس سوى امتدادا لحيلة استعمارية قديمة؛ استنادًا لتحاليل الكاتبة المصرية ليلى أحمد، فإن فكرة اضطهاد الرجال في المجتمعات المستعمَرة للنساء لا تعني المستعمر إلا بغرض توظيفها أداة في الخطاب الاستعماري تُستخدم "لإضفاء شرعية أخلاقية على مشروع تقويض ثقافات الشعوب المستعمَرة أو القضاء عليها." 


فهل تدري إيميليا أن جدتي وعماتي كنّ كلهنّ ضحايا حرب الإملاق نتيجة سياسات العالم الغربي الرأسمالي المحتل، قبل أن يكنّ ضحايا الرجل العربي؟ هل ذكرت الصحف المستشرفة التي تتابعها أن الرّجل العربي نفسه ضحيّة للعالم الغربي الرّأسمالي المحتل؟


 وذلك كما وضّحت عالمة الأنثروبولوجيا الفلسطينية ليلة أبو لغد في كتابها هل تحتاج المرأة المسلمة إلى الإنقاذ؟  إن "اختزال المرأة المسلمة في صورة نمطية يُبعدنا عن الإشكالية الأعمق، وهي أن سياساتنا وأفعالنا في الغرب تساهم في خلق الظروف القاسية التي يعيشها آخرون في أماكن بعيدة. في النهاية، إن خطاب "إنقاذ" النساء المسلمات يتيح لنا التهرب من التعقيدات المتشابكة التي نشارك جميعًا في تشكيلها، ويكرّس استقطابًا يضع النسوية في صف الغرب وحده."


لا أخاطبكم اليوم إنكارًا لما تمرّ به المرأة العربية من ظروف خطيرة وتعيسة، ولكنّي ضقت ذرعًا بالدموع المصطنعة التي يذرفها الغرب ادعاءً منه الاهتمام بتلك الظروف، وهو أول من صنعها.


فبعد فصل دراسي كامل لي في جامعة غربية، أحطتُ علمًا بأنني لستُ جوهر الحوار. أصبحت على علمٍ بأنني أنا وسائر النساء العربيات لسنا سوى مضافًا إليه في نثر الكلام، وجزءًا من مسرحية الغرب المتحضر. فصفّقوا، كلٌّ كان له دور وأدّاه!


ودوري أنا: أن أُجلب للصف كالصنم الذي لا يفقه شيئًا، ليطمئن زملائي أنه بوجودي استطاعوا أن يحطّموا الجدار الثالث، فأقحموني بكل سخاءٍ في نقاشهم الذي من المفترض أنني أنا "مركزه." وها هي مسرحيتهم العبثية قد أُخرجت بمباركة وجودي بينهم، ورفعت الأقلام، وجفت الصحف، وانقضى حلّ كلّ مشاكل الشرق الأوسط لا يزيد ولا ينقص عن دروس جوفاء تُردَّد عن المساواة الجندرية، كأنَّ العدلَ يولدُ من صدى كلمات الغرب، لا من صرخات أهل الأرض.


بدأت أشعر أن الحرية التي أطمح لها أنا، وتطمح لها زميلاتي، ليست الحرية ذاتها. فلم تعد الحرية في عيني أن أرتدي بنطالًا أو قميصًا أو أي قطعة قماش زائفة. أدركتُ أن الحرية هي أن ترميك طائرات الغرب الوحشية بقنابل من سجّيل، تنخر عليك واحدة تلو الأخرى من السماء، لتُوئدك بعد ذلك تحت الأنقاض، ثم تعودي أنتِ وبقوة، تتوعدين بإنجاب المزيد والمزيد لتجديد العهد عليهم، حتى يجنّ جنون العدو، الذي لا يزال يحاول -عبثًا- أن يطمسكِ أنتِ ونسلكِ عن الوجود.

ويبقى السؤال: هل إذا كسونا أجسادنا بلباس الغرب سيعصمنا لباسهم من جحيم قنابلهم؟ ومن ثمّ بلغوني، هل بين حريتي وحريتكم أية صلة؟

أوجه رسالتي في يوم المرأة إلى الأم، أو الأخت، أو البنت، أو الإنسانة التي فقدت حياتها، أو حياة من تحب، في غزة، في حلب، في بغداد، في بيروت، والتي تكافح في سبيل العيش الكريم في الأردن أو أي مكانٍ آخر.


أضع كفي بكفكِ وأقول: تحيّة لكِ، فأنتِ الحريّة، وأنت الإنسانيّة، وأنتِ العروبة، وأنتِ الثّورة والعناد—وذلك حقّ، ولا شيء يعلو على الحقّ.

Photo source: Alisdare Hickson on Flickr

bottom of page